الرفض للظلم والانحراف والفساد: الحقيقة الأولى التي نستلهمها من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، ولا بدّ أن نعيشها في حياتنا لنكون حسينيين؛ هي حقيقة الرفض للظلم وجميع أشكال الانحراف والفساد، ونستلهم هذه الحقيقة من موقف الإمام الحسين عليه السلام من بيعة يزيد (لعنة الله عليه) حيث قال: ” ..إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله.. “.
والرفض ليس موقفاً سلبياً انفعالياً مرتجلاً، بل هو تعبير عن فهمٍ عميق للإسلام والقيم الدينيّة من جهة، وإرادةٍ حرّة صلبة من جهة أخرى. فهو – أي الرفض – حقيقة عميقة تتضمّن في واقعها مخزوناً من المعاني والقيم النظرية والعمليّة، التي تعبّر عن الإسلام في صفاءه وطهارته، ومبدئيّته وحركيّته.. ، فهي قاعدة صلبة وأساس متين للبنية الرسالية للإنسان المسلم.
لنكون حسينيين (2)
أن نكون حسينيين.. هي الغاية القصوي، والمقصد الأهم، والهدف الأسمى، والشرف الأكمل. ولكن السؤال المهم؛ كيف نكون حسينيين؟، ما هي الشرائط والمتطلبات لنقترب من هذه الحقيقة؟. من الصعب الإجابة الدقيقة على هذا السؤال، ولكن سنحاول هنا طرح بعض الأفكار والحقائق التي نستلهمها من واقع النهضة الحسينية، وإذا ما تمثّلناها في حياتنا نقترب بأنفسنا وواقعنا إلى ذلك الواقع الحسيني، ونكون حسينيين ولو بمستوى من المستويات.
وهذا يتوقّف على التفاعل الجادّ والواعي مع النهضة الحسينية وحقائقها على المستويات الثلاثة التالية؛ المستوى الفكري، والوجداني، والعملي.
فلا بدّ أوّلاً من الوعي الكافي بمنطلقات وأهداف وقيم وحقائق النهضة الحسينية، وفهم القيمة الكبرى لهذه النهضة في منظومة الفكر الإسلامي. وثانياً لا بدّ من التفاعل الوجداني والعاطفي مع البعد المأساوي والملحمي لهذه النهضة. وثالثاً لا بدّ من السعي لتجسيد القيم الحسينية في واقعنا، بحيث نكون جنوداً أوفياء للإمام الحسين عليه السلام وقيم نهضته الخالدة. يتبع.
لنكون حسينيين (3)
قضيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هذه الفريضة الإسلامية الكبرى لها مستويان؛ الأوّل: المستوى النظري الثقافي، المتمثّل في المعرفة بها وبأهميتها وبشرائطها.. . والثاني: المستوى العملي، المتمثّل في الحبّ والتفاعل والتعاطي العملي مع هذه الفريضة. والمستوى الأوّل تتصدّى له عادة الأبحاث الفقهية والقرآنية والحديثية. أمّا المستوى الثاني فلا يتلقّى من خلال الأبحاث العلميّة والكتب الدرسيّة، ولا ينتشر في الأمّة من خلال التعليم والتعلّم، وإنّما يأخذ موقعه في الأمّة من خلال الممارسة العمليّة من قبل أئمّة المسلمين والعلماء والرساليين في الأمّة. والإمام الحسين عليه السلام ومن خلال نهضته المباركة أعطى درساً عملياً، وخلق وعياً حركياً، وأحيى روحيّة شجاعة، تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهاهو عليه السلام يعبّر عن منطلقات نهضته فيقول: ” اللهم إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر.. “، ويقول: ” ..إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.. “. وقد جسّد عليه السلام هذه الفريضة بكلّ شجاعة وإخلاص في كربلاء. ولكي نكون حسينيين للا بدّ أن نعيش هذه الفريضة في حياتنا مهما أمكن، ونعمل على إحيائها في واقعنا.
لنكون حسينيين (4)
الإباء: صفة كريمة يتّصف بها الشرفاء والأحرار، والإمام الحسين عليه السلام هو سيّد الشرفاء والأحرار، وهو سيّد أهل الإباء ومعلّمهم، فقد أعطي من خلال نهضته وصبره ومقاومته درساً خالداً في الإباء والصمود لجميع الأحرار عبر التاريخ، فهو القائل:” موت في عزّ خير من حياة في ذلّ “. وهو القائل: ” ألا أنّ الدعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام “. يقول السيد حيدر الحلّي:
كيف يلوي على الدنيّة جِيداً لسوى الله ما لواه الخضوع
فأبى أن يعيش إلاّ عـزيــزاً أو تجلّى الكفاح وهو صريع
والحسينيون هم أولئك الذين فهموا درس الإباء من عاشوراء، وكبرت نفوسهم وعزّت بترديدهم في داخلهم بصدق كلمات الإباء الحسيني ” هيهات منّا الذلّة “.
لنكون حسينيين (5)
باسمه تعالى
الصلاح والإصلاح: الإصلاح هو الشعار العريض الذي انطلقت به النهضة الحسينية، يقول الإمام الحسين عليه السلام: ” ..وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي محمّد صلّى الله عليه وآله.. “. فالنهضة الحسينية انطلقت على أساس الإحساس بضرورة الإصلاح في الأمّة، والإحساس بمسؤوليّة القيام بهذا الدور الخطير.
ولكي نكون حسينيين لا بدّ أن نمارس هذا المبدأ في مختلف جوانب حياتنا كلّ في موقعة وفي حدود قدرته، ومن الواضح أنّ عمليّة الإصلاح لا يمكن أن تصدر إلاّ ممّن يعيش الصلاح في نفسه، إذ فاقد الشيء لا يعطيه.
فنهضة الإمام الحسين عليه السلام دعوة عمليّة للأمّة لمبدأ الصلاح والإصلاح، وسوف تبقى الحامل لهذا الشعار والداعية له على مرّ العصور، ولا بدّ للممارسات العاشورائية بمختلف أشكالها أن تعبّر عن هذا المشروع الحسيني بكلّ وعي وإخلاص، لتكون الصدى للنهضة الحسينية والاستمرار لأهدافها وقيمها.
لنكون حسينيين (6)
باسمه تعالى
سمو الأهداف والوسائل: الحركة الحسينيّة تميّزت بسموّ الأهداف وسموّ الوسائل، فكانت تمثّل الطهر والنزاهة والخلوص والسموّ في جميع جوانبها ومفرداتها، فلم تشوهّا الأهداف الدنيويّة الجاهليّة، ولم تدنسها الأساليب الملتوية الخيانية.
فمثّلت الحركة الحسينيّة المثل الأعلى في الأهداف والغايات، والوسائل والأساليب. ولكي نكون حسينيين لا بدّ أن نتمثّل هذه المبادئ، فلا ينبغي أن تبرّر الغايات السامية انحراف الوسائل، فلا ينبغي أن نبيح لأنفسنا الممارسات الخاطئة بحجّة أنّها من أجل إحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام، أو نتساهل تجاه المظاهر والممارسات غير الشرعيّة التي قد تصاحب إحياء الشعائر الحسينية، انطلاقاً من ضرورة الإحياء وأهميّته.
علينا أن نحافظ على نزاهة وطهارة وسموّ النهضة الحسينيّة، ومارسيم الإحياء، ونسعى لتجنّب أي ممارسة أو سلوك أو مظهر يتنافي مع هذه الحقيقة القدسية، لتبقى ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة الإسلام بكلّ معانية العالية، وثورة القرآن بكلّ أنواره الهادية.
لنكون حسينيين (7)
باسمه تعالى
الوضوح والشفافية: من الصفات الأساسية في الشخصيات القيادية والمتصدّية للشأن العام، بل كلّ من يكون له موقع مسؤولية ورعاية لآخرين، أن يكون واضحاً في منطلقاته وأهدافه، واضحاً في تعاطيه مع القضايا والشؤون التي تحت مسؤوليته، والجهات التي يرعاها ويتحمّل المسؤولية تجاهها، شفّافاً في الوعود والطموح التي يقدّمها، حتّى لا يقع الآخرون في التشويش والاغترار.
وكان الإمام الحسين عليه السلام واضحاً كلّ الوضوح في حركته وانتفاضته، فلم يعد أصحابه وأنصاره بالامتيازات، ولم يمنّيهم بالمناصب، بل قال لهم بكلّ وضوح: ” أمّا بعد، فإنّه من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح والسلام “. وقال: ” ..ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى “.
فالحسينيون هم أصحاب البصيرة، المضحّون بكلّ وعي وإخلاص عن الدين وقيمه وأهدافه، لا ينتظرون سوى الرضا الإلهي، والجزاء الأخروي.
لنكون حسينيين (8)
باسمه تعالى
الحسين والقرآن: أنزل القرآن لهداية البشر، { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان.. }البقرة/185، واختار الله للحسين عليه السلام في عاشوراء تلك القتلة المأساوية، والشهادة الربانيّة، لهداية الناس كذلك، ففي زيارة الأربعين: ” ..وجعلته حجّة على خلقك من الأوصياء، فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة.. “. فالحسين عليه السلام عدل القرآن الكريم وتوأمه، وبهما أقام الله الحجّة على الناس، فالقرآن هداية نظريّة، والحسين قيادة عمليّة، والقرآن هداية، والحسين هادياً، والقرآن بيان، والحسين مبيّن.. ولنكون مع القرآن لا بدّ أن نكون مع الحسين، ولنكون مع الحسين لا بدّ أن نكون مع القرآن، فالقرآنيون حسينيون، والحسينيون قرآنيون. فمن الضروري أن يتمّ التأكيد الدائم والمستمر على هذه الحقيقة النورانيّة في هذا العام وفي كلّ عام، وأن يكون الحديث عن هذه الثنائية من ضمن العناصر الأساسية في الخطاب الحسيني، لنخلق أجيالاً حسينيّة قرآنية.
لنكون حسينيين (9)
باسمه تعالى
النصرة للحقّ وخذلانه: النصرة للحقّ واجب شرعي، والخذلان له حرام شرعاً. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى؛ النصرة للحقّ أساس لعزّة الأمّة وكرامتها، والخذلان له أساس لذلّها وانسحاقها.
وواقعة كربلاء كانت مثالاً واضحاً، ودرساً بليغاً، في كلا المفهومين، فهناك الخذلان للحقّ وللقيادة الشرعية، من قبل الكثير من الناس الذين استسلموا للترهيب والترغيب الأموي، وقبلوا لأنفسهم أن يخذلوا الحقّ وينصروا الباطل، وأن يعيشوا حياة الذلّ والخزي في ظلّ حكم يزيد الفاسق الفاجر، وكذلك هناك الامتداد لنهج الخذلان أو اللامبالات تجاه قيم الحقّ التي مثّلها الإمام الحسين عليه السلام، ومعاني الباطل التي مثّلها يزيد بن معاوية لعنه الله. وهناك النصرة الصادقة للحقّ وللقيادة الشرعية، من قبل ثلّة من الناس الذين جسّدوا الوعي والإيمان والصبر والثبات، والتحموا بالقيادة الشرعيّة، وضحوا لأجل الدين بكلّ غالٍ ونفيس في كربلاء. وكذلك هناك الإمتداد المبدئي والفكري والعاطفي لخطّ النصرة في الأمّة، من خلال أجيال متلاحقة عبر العصور، من الذين استجابوا لنداء الحسين عليه السلام، وعاشوا الولاء والنصرة لمبادئه وأهدافه فكراً وشعوراً وسلوكا، والبراءة من يزيد وخطّ يزيد لعنه الله.
لنكون حسينيين (10)
باسمه تعالى
الانتماء الواقعي: يروّج البعض أنّ الإمام الحسين عليه السلام إنّما قتل على أيدي الشيعة أنفسهم، وهم عندما يقيمون العزاء والنياحة على الإمام الحسين عليه السلام إنّما يقيمونها ندماً على فعلتهم، وتكفيراً عن خطيئتهم.. . وهذا الكلام في الحقيقة فيه خلل من عدّة جهات؛ أوّلاً: إنّ الذي جيّش الجيوش وأرهب الناس ودفعهم لقتال الإمام الحسين عليه السلام تحت حراب التهديد والترغيب هو الحكم الأموي، ويزيد وأزلام يزيد لعنهم الله. ثانياً: إنّ الفكر الشيعي، والثقافة الشيعية، لا تتشكّل عبر العناويين، ولا تتعصّب لتسميات تجعل منها أصناماً، كما هو عند غيرها من الثقافات، وإنّما تقوم على أساس الانتماء الواقعي، والواقع الفعلي على مستوى الفكر والعاطفة والعمل..، ولذلك لا يصنّف الفكر الشيعي أولئك الناس الذين اجتمعوا في جيش يزيد لقتال الإمام الحسين عليه السلام إلاّ أنّهم شيعة آل بني سفيان، وشيعة بني أميّة، وليسوا شيعة آل البيت عليهم السلام، لأنّ التشيّع ليس اسماً، وإنّما هو انتماء واقعي، وممارسة صادقة، فلا يتأبّى هذا الفكر من البراءة من كلّ منحرف عن خطّ الدين، ومقتضيات الانتماء لخطّ أهل البيت عليهم السلام. وهذا درس بليغ من كربلاء، وعته الأجيال لتكون في خطّ الحسين عليه السلام بكلّ صدق وإخلاص.
اترك رداً