القرآن النعمة المجهولة:
الإنسان يألف النعمة فلا يعرف قدرها، فحياة الإنسان والكائنات الحية كلها متعلقة بوجود الشمس ولكننا لا نعير شروق الشمس الكثير من الاهتمام، ولكن بمجرد حدوث كسوف الشمس أو غيابها وراء السحاب لمدة نصف يوم أو نهار واحد نشعر بالكثير من التغير، وهكذا هي نعمة القرآن ذلك الكتاب المنزل الذي لا نعرف قدره، ولو أن اااه حجب عنا كلامه لبحثنا عنه في كل مكان، ولتمنينا أن نسمع حرفا منه في أي لحظة من لحظات والدنيا وبأي ثمن، القرآن بين أيدينا وهو كلام اااه عز وجل والفرصة مفتوحة للجميع أن يسمع كلام اااه وأن يعتبر به ويعبر عليه إلى النعيم الأبدي، القرآن هو النعمة المجهولة التي نسأل اااه تعالى أن لا يحرمنا من الانتفاع بها والتمسك بعروتها.
1- حتى لا ننسى…
الكثير من الناس يمر عليه اليوم واليومان والثلاثة والأسبوع والشهر ولا يفتح القرآن الكريم، فينبغي أن نضع أمامنا ميزاناً وهذا الميزان يقضي أن يكون اليوم الذي لا نقرأ فيه القرآن ولا نقف على آياته الكريمة هو يوم من أيام الخسران والضياع والبعد عن اااه تعالى، فينبغي تخصيص وقت وزمان معين يكون الإنسان فيه قادراً على التفاعل والاستماع بإصغاء لآيات الذكر الحكيم، وأسباب الإعراض عن القرآن كثيرة منها مشاغل الحياة وملذاتها وهنا يبرز التحدي في أن لا نكون ممن قال اااه تعالى عنهم : (نسوا اااه فأنساهم أنفسهم) بل أن نكون ممن قال اااه عنهم : (واذكروني أذكركم واشكروني ولا تكفرون) لا بد أن نجعل كلمة (قرآن) في جدول أعمالنا اليومي، حتى لا ننسى فينسانا اااه.
2- صعود الجبال
ليس من السهل على الإنسان أن يصعد جبلاً شاهقاً، ولكن ارتفاع هذا الجبل يجعل الإنسان المتميز فقط هو من يستطيع أن يقبل التحدي بتسلق هذا الجبل وإذا تسلقه فقد أثبت أنه رجل ذو إرادة وقوة، والقرآن هو ذلك الجبل الشامخ والشاهق والصعود إليه يحتاج إلى عمل غير قليل لكي يتأهل الإنسان للصعود إلى شموخ القرآن ومعاليه، أما من رضي لنفسه أن يمشي على السطح لأن المشي على السطح أسهل فهذا لن يحلق في سماء القرآن لأن التحليق في سماء القرآن يحتاج إلى جهد الصعود إلى علياء القرآن وما لم نتحصل على هذا الجهد الذي يؤهلنا للصعود إلى عليائه فسنبقى على السطح وصعود الجبل القرآني يحتاج إلى صبر وجهاد وتقوى وإيمان ولنا في الحسين وأنصاره خير مثال في ذلك.
3- الشعارات الكاذبة
بين ما يطرح من بعض الشعارات وبين الواقع بون شاسع، فمن السهل رفع شعارات براقة وجذابة ولكن من الصعب تحقيقها وتطبيقها، والكل يرفع شعارات الخير والحرية والسلام ولكن من يطبقها؟، قال اااه تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) فمن السهل اتهام الآخرين بالسفاهة على فم من هو غارق في السفاهة حتى منخريه، ومن الخزي والعار أن ترتكب أكبر جريمة في التاريخ بغطاء ديني وبشعارات دينية حتى قال قائلهم : (الحسين خرج عن حده فليقتل بسيف جده) حتى فرعون كان يرفع شعار الهداية : (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فما أقبح أولئك الذين يتاجرون بالدين ويستقبلون القبلة حينما يريدون ذبح الأبرياء.
4- القرآن مع الحسين
عندما سئل بعض الصحابة عن سبب عدم خروجه مع الإمام الحسين (ع) قال إنه مشغول بتلاوة القرآن، ونحن نسأل: هل يمكن أن يكون هذا العذر مقبولاً بحال من الأحوال، وهل يكون يمكن الإنسان قريباً من القرآن وبعيداً عن الإمام الحسين (ع)؟ وهل يمكن أن ينصر القرآن ويخذل الإمام الحسين (ع)؟ غريب هذا المنطق وهذا العذر، كيف تتلو القرآن وتتخلى عن الإمام الحسين والقرآن الذي تتلوه يقول لك:(أطيعوا اااه وأطيعوا الرسول) والرسول يقول لك : ( الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا) وأنت تجد الإمام الحسين يخرج آمراً بالمعروف وناهيا عن المنكر وأنت تقرأ في القرآن:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ومع ذلك تصم أذنيك عن هذا النداء، فما فائدة هذه التلاوة؟
5- القدوة القرآنية
لقد كان أصحاب الحسين (ع) في ليلة عاشوراء كما ينقل التاريخ لهم دويُّ كدوي النحل بين قائم وقاعد وراكع وساجد وتالٍ للقرآن في تلك الليلة الرهيبة ونحن لنا في هؤلاء العظماء قدوة وأسوة فينبغي علينا الاقتداء بهم والسير على آثارهم، فسر عظمة هؤلاء أنهم كانوا صناعة القرآن والثابتون على خطاه والمهتدون بهداه والمضحون بأرواحهم وأنفسهم من أجل أن يبقى القرآن على حقيقته ويأخذ دوره ومكانته في الأمة بعيداً عن أولئك الطغاة الذين أرادوا له أن يُنسى وأن يُعزل، ويبقى بشكله رسماً مكتوباً على الصحف وحروفاً تتلى على الألسن، دون أن يكون له أي دور في حياة المجتمع، هؤلاء الطغاة أرادوا تحنيط القرآن وتجميده ولكن دماء الحسين وأنصاره أحبطت مؤامرتهم وأعادت الأمة للقرآن بالتضحية والفداء وبتقديم الغالي والنفيس.
6- بعد النفس الأخير
الحسين (ع) كان مع القرآن منذ أن كان نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، وهو مع القرآن حينما ولد وخرج إلى هذه الدنيا، وبقي مع القرآن وفي بيت الوحي والرسالة يستنشق عبير الآيات ويترعرع في بستان السور ويستريح في أحضان محمد (ص)، وبقي كذلك إلى أن كان مع القرآن بدمه في كربلاء، ومع القرآن حينما يقول القرآن : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)، ومع القرآن حينما يقول القرآن : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اااه أموتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) لم يكن الحسين مع القرآن إلى اللحظة الأخيرة والنفس الأخير فحسب، بل بقي مع القرآن حتى بعد النفس الأخير، حينما رفع رأسه على الرمح وهو يتلو قوله تعالى : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا).
7- الشاب القرآني
قال الإمام الصادق (ع) : (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله اااه عز وجل مع السفرة الكرام البررة وكان حجيزاً عنه يوم القيامة) في هذه الكلمات أحب أن أقف مع القاسم بن الحسن الذي كان بمثابة ممثل الإمام الحسن (ع) في كربلاء في نصرة غريب الغرباء، القاسم الذي اختار القرآن وكان لاختياره ثمناً غالياً، واختار الحسين (ع) وترك الشباب وملذات الشباب وعنفوان الشباب وزهو الشباب، اختلط القرآن بلحمه ودمه فقدم دمه رخيصاً بين يدي القرآن الناطق وهو الإمام الحسين (ع)، اختلط القرآن بلحمه ودمه فسال دمه وتقطع لحمه وسجل اسمه في سجل عشاق القرآن وعشاق الحسين (ع)، وصار مثلا وقدوة لكل شاب مؤمن وترددت أصداء صرخاته الكربلائية القرآنية على مدى الدهر ترن في مسامع التاريخ وتسطر المجد على صفحات الخلود.
8- العين الحسينية
قال الإمام الحسين (ع) مخاطباً ربه في دعاء عرفة : ( عميت عين لا تراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيباً) وكانت هذه العين هي التي لا ترى إلا اااه تعالى، هذه العين هي التي تعيش (قل هو اااه أحد) في كل لحظة من لحظاتها، وهذه العين هي التي ترى اااه أكبر من كل كبير، وكان الحب الحسيني لله تعالى حب جعله يربح هذا الربح الكبير، قال اااه تعالى : (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ولكن الحسين لم يأت بالحسنة فحسب، بل جاء بالحسنة بأبهى صورها وأجلى مضامينها وأعظم حقائقها حينما ضحى بنفسه وأولاده وأصحابه وعائلته وتعرضت بناته وأخواته ونساؤه للسبي، ثم بعد هذا يقول لله تعالى وهو ينظر إليه بتلك العين ( اااهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).
9- النور الخالد
( يريدون ليطفئوا نور اااه بأفواههم واااه متم نوره ولو كره الكافرون) نعم يريدون ليطفئوا نور اااه بسيوفهم وجيوشهم وعساكرهم وكراسيهم وسلطتهم، ونور اااه باق ما بقي الدهر، وكيف يستطيع يزيد وحزبه من إطفاء نور اااه حتى لو فعلوا ما فعلوا من جرائم وفظائع واااه قد وعد بنصر الحق والانتصار له قال تعالى: ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) وهكذا نرى أن اااه قد قذف بحق الحسين على باطل يزيد فدمغه وزهق وبقيت الأجيال تترنم بحروف الحسين (ع)، وصدقت سيدتنا ومولاتنا زينب (ع) حينما تكلمت عن هذه الحقيقة وتنبأت بها قبل حدوثها بقرون:( فو اااه لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد).
اترك رداً